وأما الحكمة فهي أن الانتقام لأوليائه من الظلمة واجب لظلمهم، والإحسان لأهل الإحسان، فلو لم يكن بعث والحياة بعد الموت؛ لينتقم من الظالم لظلمه، ويجزى المحسن لإحسانه يذهب فائدة الترغيب على الطاعة والإحسان، ووعيد الظالم بالانتقام، فالبعث واجب؛ للوجوه التي ذكرنا، والتفريق بين الأولياء والأعداء؛ وقد جمعهم في هذه الدنيا، وفي الهحكمة التفريق بينهما.
وقوله: (جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ).
ذكر أن مشركي العرب كانوا لا يقسمون باللَّه إلا فيما يعظم من الأمر، ويشتد عليهم؛ تعظيمًا له وإجلالا؛ إنما كانوا يقسمون بالأصنام والأوثان التي عبدوها، فإذا حلفوا باللَّه فذلك جهد أيمانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا).
قوله: (بَلَى) رد على قولهم: (لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ) فقال: بلى يبعث.
وقوله: (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا).
يحتمل (وَعْدًا): أي: وعد أنه يبعثهم، فحق عليه أن ينجز ما وعد، أو حقا عليه أن يعد البعث والإنجاز له، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وهذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه نفى عنهم العلم لما لم ينتفعوا بعلمهم، فهو كما نفى عنهم السمع والبصر وغيرهما من الحواس؛ لما لم ينتفعوا بها انتفاع ما لذلك كان خلقها، فنفى ذلك عنهم.
والثاني: نفى عنهم ذلك على حقيقة النفي؛ لأنهم لم ينظروا؛ ولم يتأملوا في الآيات والأسباب التي بها جعل لهم الوصول إلى العلم، فلم يعلموا، ثم لم يعذرهم بجهلهم ذلك؛ لما جعل لهم سبيل الوصول إلى علم ذلك بالنظر والتأمل في الآيات والحجج، لكنهم شغلوا أنفسهم في غيرها، ولم ينظروا في الأسباب التي جعلها لهم سبيل الوصول إليه، فهذا يدل أن من جهل أمر اللَّه ونهيه يكون مؤاخذًا به؛ بعد أن جعل له سبيل الوصول إليه بالدلائل والإشارات، فلا يخرج مؤاخذته إياه؛ وعقوبته بترك أمره عن الحكمة، وأما