يحتمل قوله: (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ): أي: منكرة للإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت.
أو قلوبهم منكرة لجعل الألوهية والربوبية لواحد وصرف العبادة إليه؛ كقولهم: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).
ويحتمل قوله: (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) لما جاء به الرسول، وهم مستكبرون على ما جاء به من اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) يحتمل مستكبرون على رسول اللَّه، لم يروه أهلا لخضوع أمثالهم لمثله، أو مستكبرون إلى ما دعتهم الرسل؛ لأن الرسل جميعًا دعوا الخلق إلى وحدانية اللَّه وجعل العبادة له.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
يحتمل قوله: (مَا يُسِرُّونَ): من المكر برسول اللَّه، والكيد له، (وَمَا يُعْلِنُونَ) من المظاهرة عليه. أو يعلم ما يسرون من أعمالهم الخبيثة التي أسروها وما أعلنوها، يخبر أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم؛ أسروا أو أعلنوا.
وقوله: (لَا جَرَمَ) قال الأصم: (لَا جَرَمَ): كلمة تستعملها العرب في إيجاب تحقيق أو نفي تحقيق؛ كقولهم: حقُّا، ولعمري، وايم اللَّه، ونحوه.
وقال الحسن: هو كلمة وعيد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا جرم، وحقُّا، وبلى، ولا بدّ، كله في الحاصل: يرجع إلى واحد، وهو وعيد؛ لأن قوله: (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) وعيد. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ).
لأنه لا يحب الاستكبار، ولا يليق لأحد من الخلائق أن ينكبر على غيره من الخلق؛ لأن الخلق كلهم أشكال وأمثال، ولا يجوز لكل ذي مثل وشكل أن يتكبر على شكله ومثله؛ لأن تكبر بعضهم على بعض كذب وزور؛ إذ جعل كلهم أمثالا وأشكالا، لذلك كان زورًا وكذبًا، وقد حرم اللَّه الكذب والزور، وجعله قبيحًا في العقول.