يقول: الذي خلق لكم ما ذكر من الأشياء هو الذي أنزل من السماء ماء لكم؛ منه شراب، ومنه شجر هذا يحتمل ما ذكرنا: أنه أنزل من السماء ماء لنا؛ ثم أخبر أنه منه شراب، ومنه شجر.
ويحتمل: هو الذي أنزل من السماء ماء، ثم أخبر: (لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ).
ثم يحتمل قوله: (مِنْهُ شَرَابٌ) جميع ما يشرب من الأشربة؛ إذ منه تكون الأشربة جميعًا؛ وجميع الأشياء.
ويحتمل (مِنْهُ شَرَابٌ) الماء خاصة.
(وَمِنْهُ شَجَرٌ): الشجر: معروف؛ هو الذي يعلو ويرتفع في الأرض؛ لا يسمى الحشيش وما ينبسط على وجه الأرض شجرًا، فظاهر هذا أن يرجع إلى ذلك المعروف؛ إلا أنه ذكر شجرًا (فِيهِ تُسِيمُونَ): أي: تزرعون، دل هذا أنه إنما أراد بالشجر المنبسط على وجه الأرض والمرتفع عليها.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: السائمة: الراعية، وكذلك قال أبو عوسحة، وقال أبو عبيدة: أسمت سائمتي: أي: رعيتها؛ وكذلك قوله: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)، أي: الراعية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
أي: ينبت لكم بالماء الذي ذكر أنه أنزل من السماء الزرع، والزيتون، وجميع ما ذكر، جعل اللَّه - بلطفه - الماء لقاح كل الأشياء المختلفة والمتفقه، ليس كغيره من الدواب؛ حيث لم يجعل لقاح شيء من جنس آخر، إنما جعل لقاح كل نوع من نوعه، وجعل في الماء بلطفه سرية توافق جميع الأشياء المختلفة، لو اجتمع الخلائق على إدراك ذلك - وإن اجتهدوا - لم يقدروا عليه، يعرفون الماء ظاهرًا؛ ولكن لا يدركون ما فيه من اللطف والسرية؛ التي يكون بها حياة كل أحد وموافقته.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
ذكر أن فيه آية لقوم يتفكرون، ولم يذكر أنه لماذا؟ لكنه ذكر أنه آية لقوم يتفكرون؛