سفيه عندكم غير حكيم ولا رحيم، بل موصوف بالقساوة والسفه، فاللَّه سبحانه موصوف بالحكمة، والرحمة، والرأفة، لا يجوز أن يأمر بالذبح والقتل لهذه الأشياء؛ إذ ذلك مما يزيل الرحمة والحكمة.
فيجاب لهم بوجوه:
أحدها: أن اللَّه خلق هذا البشر في هذه الدنيا للمحنة ولعاقبة قصدها، إمَّا ثوابًا وإمّا عقابًا، وأخبر أنه خلق هذه الأشياء لنا، وجعل لنا فيها منافع، تتأمل وتقصد، وقد نجد في الشاهد من هو موصوف بالرحمة والرأفة على نفسه، يجرح نفسه الجراحات، ويحمل عليها الشدائد والمكروهات؛ لمنافع تقصد وخير يتأمل في العاقبة، ثم لم يوصف بالسفه، ولا بالخروج عن الحكمة والرحمة، من نحو الحجامة والافتصاد، وشرب الأدوية الكريهة الشديدة ما لو لم يتأمل ما قصد من النفع والعافية في العاقبة؛ ما تحمل تلك المكروهات والشدائد، فدل ما وصفنا أن تحمل الأذى، والألم، والمكروه - غير خارج عن الحكمة والرحمة، ولا الفعل بما فعل سفه؛ إذا كان لمنافع تقصد في العاقبة، وعاقبة تتأمل.
فيبطل قول الثنوية: أن ذلك مما يزيل الرحمة؛ على أن هذه الأنعام والبهائم لم تخلق للمحنة وللجزاء في العاقبة؛ ولكن خلقت لمنافع البشر؛ فلهم الانتفاع بها؛ مرة بلحومها، ومرة بحمل أثقالهم والانتفاع بظهورها، مع ما ذكرنا أن تحمل المكروهات وأنواع الشدائد، والآلام - لا تخرج الفعل عن الحكمة، ولا تزيل الرحمة والرأفة إذا قصد به النفع، في العاقبة، وطمع فيه الخير.
وهذا يدل أنه أبيح لنا الانتفاع بها؛ والذبح على غير جعل حقيقتها لنا؛ حيث لم يبح لنا إتلافها؛ إذ لو كان أصول الأشياء لنا لكان لا يمنع عن الإتلاف، فدل أنه أبيح لنا الانتفاع بها على غير جعل الحقيقة والأصول لنا، فيبطل قول من يقول: إن الأشياء في الأصل على الحل والإباحة حتى يقوم ما يحظر.
قال أبو عبيد: (حِينَ تُرِيحُونَ) يقال منه: أرحت الإبل أريحها إراحة، والإراحة عند العرب: أن يصدر الرعاء مواشيها بالليل إلى مآويها؛ ولهذا سمي ذلك الموضع: المراح.
وقوله: (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) هو إخراجها إلى المرعى؛ يقال: سرحتها، أسرحها سرحًا وسروحا. وكذلك قَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ. والدفء: ما ذكرنا أنه من الاستدفاء.