قَالَ بَعْضُهُمْ: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ): أي: استقم كما تؤمر؛ كقوله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ).
فهو في كل ما أمر به.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اصدع: أي: امض بما تؤمر من تبليغ الرسالة.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
أي: أعرض عن مكافأتهم؛ ومعناه - واللَّه أعلم - امض على ما تؤمر؛ من تبليغ الرسالة إليهم ولا تخفهم، ولا تهبهم، ولا يمنعنك شيء عن تبليغ الرسالة؛ الخوف، ولا القرابة، ولا شيء من ذلك، ولكن امض على ما تؤمر؛ وهو كما قال: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا)، وقال: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: لا يمنعكم عن القول بالحق والعدل بغضكم إياهم، ولا قرابتكم التي فيما بينكم، فعلى ذلك قوله: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ): أي: امض على ما أمرت من تبليغ الرسالة، ولا يمنعنك عن ذلك: الخوف، والوعيد، والقرابة التي فيما بينك وبينهم.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ): أي: أظهر ذلك، وأصله: الفرق والفتح؛ يريد: اصدع الباطل بحقك؛ حتى يأتيك الموقن به؛ وهو الموت.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: اصدع: أي: امض على ما تؤمر، وصدعت: أي: مضيت؛ وذلك من المضي، وأصل هذا كله: الشق، ويقال: تصدعوا: أي: تفرقوا. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي: أعرض عن مكافأتهم؛ فأنا أكافئهم عنك على ما آذوك.
وقال بعض أهل التأويل: قوله: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) وهو منسوخ بآية السيف؛ لكن على الوجه الذي ذكرنا ليس بمنسوخ، ويحتمل: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)؛ إن كان أراد به القتال والدعاء إلى التوحيد فهو في وقت دون وقت أو في قوم خاص علم الله أنهم لا يجيبونه ولا يؤمنون به أيئس رسوله عن إيمانهم فقال: أعرض عن هَؤُلَاءِ ولا