(89)

(90)

(91)

يحتمل النهي نفسه نهاه أن يحزن عليهم؛ إشفاقًا عليهم؛ بل أمره أن يغلظ عليهم؛ كقوله: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)، وعلى هذا يخرج قوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي: ارفق بهم، ولِنْ عليهم، واشدد على أُولَئِكَ، واغلظ عليهم؛ وهو ما وصفهم: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أخبر أنهم أهل شدة على الكفار وأهل غلظة، رحماء بينهم، وأهل ذلة على المؤمنين، وأهل شدة عليهم؛ أي: على الكفار، فعلى ذلك هذا.

ويحتمل أن ليس على النهي؛ ولكن على التخفيف والتسلي، ودفع الحزن عن نفسه؛ لأنه كان يحزن لكفرهم باللَّه وتركهم الإيمان؛ حتى كادت نفسه تتلف لذلك؛ كقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) الآية، وقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ) الآية، وأمثاله.

ويحتمل أيضًا وجهًا آخر: وهو أنه كان يحزن عليهم، ويضيق صدره؛ لما مكروا به وكادوه؛ كقوله: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)، فإني أكافئهم. واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)

يحتمل: أنا النذير على معاصيه، المبين على طاعاته، أو النذير على العصاة من عذاب اللَّه، المبين لأموره ونواهيه. واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)

قال الحسن: الكتب كلها قرآن؛ يعني كتب اللَّه اقتسموها وجعلوها عضين؛ أي: فرقوها بالتحريف والتبديل؛ فما وافقهم أخذوه، ومالم يوافقهم غيَّروه وبدلوه؛ كقوله: (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) ونحوه، فذلك اقتسامهم وتعضيتهم على قوله، وكقوله: (قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)، وقوله: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا)، ونحوه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: اقتسامهم: وهو أن نفرًا من قريش كانوا اقتسموا عقار مكة؛ ليصدّوا الناس عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فيقول طائفة منهم - إذا سئلوا عنه -: هو كاهن، وطائفة أخرى: هو شاعر، ساحر، مجنون، ونحوه. وعضين: قولهم: هو: سحر، شعر، كهانة، أساطير الأولين، افترى على اللَّه كذبًا، وأمثال ما قالوا. فذلك اقتسامهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015