الكفر باللَّه، وإن كان يسمى بدون اللَّه كفرًا وإيمانًا؛ كما قلنا: الكتاب المطلق كتاب اللَّه، والدِّين المطلق دين اللَّه؛ وإن كان اسم الكتاب والدِّين يقع على ما دونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)
ذكر الانتقام منهم؛ ولم يذكر هاهنا بِمَ كان الانتقام، وقال في آية أخرى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ)، وقال في آية أخرى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ)، وقال في آية أخرى: (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)، فيحتمل أن يكون الرجفة لقوم؛ والصيحة لقوم؛ وعذاب يوم الظلة لقوم منهم، أو كان كله واحدًا؛ فسماها بأسماء مختلفة، وليس لنا إلى معرفة ذلك العذاب حاجة - سوى ما عرف أنهم إنما أهلكوا أو عذبوا بالتكذيب؛ ليكون ذلك آية لمن بعدهم؛ ليحذروا مثل صنيعهم. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) للرسل؛ كما انتقمنا من قوم لوط للوط؛ بسوء صنيعهم، وسوء معاملتهم إياه، فعلى ذلك ننتقم من أهل مكة لمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ بسوء صنيعهم ومعاملتهم إياه، وقد كان ما نزل بأصحاب الأيكة كفاية مزجر لهم، وعظة لا يحتاج إلى ذكر ما نزل بقوم لوط.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهُمَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: يعني قوم لوط، وقوم شعيب.
وقوله: (لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ): أي: طريق مستبين؛ أي: بين هلاكهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)، (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) - واحد؛ أي: بين واضح آثارهم من سلك ذلك الطريق؛ أو دخل قراهم ومكانهم - لاستبان له آثار هلاكهم؛ وما حل بهم.
وقوله: (لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ): أي: طريق يُؤتم، ويقصد؛ بين واضح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)
قال أهل التأويل: أصحاب الحجر: هم قومُ صالحٍ ثمودُ، وقالوا: الحجر: هو اسم واد. وقيل: هو اسم القرية على شط الوادي؛ نسبوا إليه.
وقوله: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) قال أهل التأويل: يعني بالمرسلين أولم