وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لِلْمُتَوَسِّمِينَ): المعتبرين. وقيل: المتفكرين. وقيل: الناظرين. ذكروا أنه آية للمعتبرين، ولكن لم يبينوا من أي وجه يكون آية لمن ذكر؛ فيحتمل وجوهًا:
أحدها: آية للمتوسمين: للمعتبرين لرسالته؛ لأنه ذكر قصة إبراهيم ولوط - على ما كان - وهو لم يشهدها؛ فذلك يدل على صدقه وآية لرسالته.
والثاني: آية لصدق خبر إبراهيم، وصدق لوط؛ لأنهم كانوا يخبرون قومهم أن العذاب ينزل بهم، وغير ذلك من الوعيد، فيدل ذلك على صدق خبر الأنبياء عليهم السلام في كل ما يخبرون.
والثالث: في هلاك من أهلك منهم؛ ونجاة من أنجى منهم - آية لمن ذكر، من هلك منهم هلك بالتكذيب، ومن نجا منهم نجا بالتصديق؛ فيكون لهم آية.
والرابع: قد بقي من آثار من هلك منهم آية؛ فيكون هلاكهم آية لمن ذكر. وأصل هذا أن اللَّه ذكر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ): أي: المؤمنين المتقين، والاعتبار والتفكر للمؤمنين؛ لأنهم هم المنتفعون. قال: والمتوسم: هو الذي يعمل بعلامة، وكذلك المتفرس: هو الذي يعمل بعلامة في غيره، ينظر في غيره: بأن هلاكه بمَ كان؟
فينزجر عن صنيعه ويتعظ به، وهو كالمتفقه الذي يعمل بالمعنى. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)
أي: طريق دائم لا يزول، يعلم أن في ذلك لآية للمؤمنين؛ وهو ما ذكرنا أن الآية تكون للمؤمن. واللَّه أعلم.
ذكر في الآية الأولى: (الآيات) لأنه أنبأ إبراهيم وقصته، وقصة قوم لوط؛ ففي ذلك آيات لمن ذكر. وذكر في هذه الآية: (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)؛ لأنه ذكر شيئًا واحدًا؛ وهو السبيل.