يحتمل أن أبا حنيفة كره إشعار أهل زمانه وهو المبالغة في البضع على وجه يخاف منه السراية، أما من لم يجاوز الحد وفعل كما كان يفعل في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - فهو حسن ".
وأفاد من الماتريدي -أيضًا- المفسر الكبير، واللغوي البحر، الجامع بين الرواية والدراية، العالم أبو حيان في كتابه البحر المحيط، فمثلاً عند قوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)، ينقل عن الماتريدي تأويله: " ويحتمل أن يراد بالشح الحرص، وهو أن يحرص كل على حقه، يقال: هو شحيح بمودتك، أي: حريص على بقائها، ولا يقال في هذا: بخيل، فكأن الشح والحرص واحد في المعنى، وإن كان في أصل الوضع: الشح للمنع، والحرص للطلب، فأطلق على الحرص الشح؛ لأن كل واحد منهما سبب لكون الآخر، ولأن البخل يحمل على الحرص، والحرص يحمل على البخل ".
هذا ولم يقتصر تأثير الماتريدي على مفسري المتقدمين، بل لقد أفاد منه مفسرو المتأخرين حتى عصرنا الحاضر، فقد أفاد منه السيوطي في الإتقان، وأفاد منه الزرقاني في مناهل العرفان، وأفاد منه الزركشي في برهانه، وأفاد منه ابن تيمية في فتاويه، وغيرهم كثير وكثير، وما يزال اسم الماتريدي وتفسيره تأويلات أهل السنة يتردد في تفاسير المحدثين وبحوثهم في التفسير.
ثانيًا: تأثير الماتريدي في العقيدة:
لقد كان لمذهب الماتريدي الكلامي أثره في اللاحقين، فقد أفادوا منه أيما إفادة، وأفادوا من مسائله الاعتقادية التي عرضها في تفسيره تأويلات أهل السنة.
وتدليلاً على ذلك نسوق بعض النماذج، فقد جاء في أنواء البروق ما نصه: " وأما الحلف بصفات الأفعال، ففي المجموع وشرحه وحاشيته ما حاصله: أن اليمين لا ينعقد بنحو الإماتة والإحياء، اللهم إلا أن يلاحظ المذهب الماتريدي، وهو أن صفات الأفعال