ويحتمل أيضًا غير هذا؛ وهو أن يقال: (أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) أي: ليس فيه ما يشغلهم عن الصلاة؛ لأن الزرع وغيره من النعيم يمنع الناس عن إقامة الصلاة، والعبادة لهم، أي: أسكنت من ذريتي بواد ليس فيه زرع يشغلهم عن إقامة الصلاة، ثم يحتمل الصلاة: الصلاة المعروفة، ويحتمل الصلاة: الدعاء والأذكار؛ وغيرها من الدعوات، ويحتمل قوله: (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ): الصلاة، نفسها؛ وغيرها من الطاعات، وكذلك قوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ).
يحتمل سؤاله ربه - أن يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم - وجهين:
أحدهما: لما أسكن ذريته في مكان لا ماء فيه ولا نبات ولا زرع؛ ففي مثل هذا المكان يستوحش المقام فيه؛ فسأل ربه أن يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم؛ ليأتوا ذلك المكان؛ فتذهب عنهم تلك الوحشة؛ فيستأنس بهم، أو سأله أن يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم؛ ليتعيشوا بما ينقل إليهم من الزاد والأطعمة إذ أسكنهم في مكان لا زرع فيه، ولا ماء يعيشون فيه به، وقد جعل اللَّه بنية هذا البشر؛ أن لا قوام لهم إلا بالأغذية والأطعمة، فسأل ربه؛ ليتعيشوا بما يحمل إليهم.
وقال أهل التأويل: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) للحج، وقالوا: لو قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم؛ ولم يقل (من) لحجه الخلق جميعًا: الكافر والمؤمن، لكن لا يحتمل عندنا أن يكون سؤاله للخلق جميعًا أو يكون قوله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) للخلائق جميعًا: للكافر والمؤمن، بل يرجع ذلك إلى خصوص. والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
يحتمل: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) تلك الثمرات، ويحتمل: لعلهم يشكرون بما جعل لهم من التعيش بما يحمل إليهم من الأغذية والأطعمة.
وقوله: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ) ليس على تخصيص الثمرات، ولكن سأل الثمرات وما