اختلف في نزوله: قَالَ بَعْضُهُمْ: هذه السورة، كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية فإنها نزلت بالمدينة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت بمكة كلها.
فمن يمّول: نزلت بالمدينة - يقول: قوله: (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ) هو بَدْر؛ أي: حملوهم إلى بدر حتى قتلوا؛ لأنه لم يكن بمكة بدر؛ إنما كان بالمدينة.
ومن يقول: نزلت بمكة - يقول: (دَارَ الْبَوَارِ): هي جهنم؛ على ما فسَّره ظاهر الكتاب، وهو الأشبه بظاهر الآية؛ لأنه بيِّن تلك الدار؛ فقال: (جَهَنَّمَ).
وفي الآية دلالة أن الآية كانت في عظمائهم وكبرائهم؛ حيث قال: (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ. . .) الآية.
ثم اختُلف في النعمة؛ التي ذكر أنهم بدلوها كفرًا؛ فهي تحتمل وجوهًا:
أحدها: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - قد أنعم عليهم في هذه الدنيا؛ ووسعها عليهم؛ فحرموا تلك النعم على أنفسهم؛ فجعلوها للأصنام التي عبدوها وسيبوها؛ ولم ينتفعوا بها، من نحو البَحِيرة التي ذكر، والسائبة، والوَصِيلة، والحامي، وما جعلوا للأصنام هو ما ذكر (وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا)، فذلك تبديل النعمة كفرًا؛ حيث حرموا ما أنعم اللَّه عليهم وأحل لهم.
والثاني: تلك النعمة مُحَمَّد أو القرآن أو الإسلام وهو نعمة، كذبوهم أوكفروهم.
أو أن يكونوا بدلوا الشكر الذي عليهم - بما أنعم عليهم كفرًا، جعلوها سببًا للكفر؛ فلم يشكروه بما أنعم عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) حقيقته يخرج على وجهين:
أحدهما: بدلوا وصرفوا ما أنعم اللَّه عليهم؛ وهو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن أنفسهم؛ حتى أخذ منهم؛ بدلوا به كفرًا.
والثاني: بدلوا به كفرًا بعدما سألوا ربهم (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ. . .) الآية؛ فلم يشكروا ما أنعم عليهم، وبدلوا الشكر كفرًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ).