ونحوه.
ثم في وعيدهم الذي أوعدوا الرسل وجوهًا ثلاثة حيث تجاسروا إقبال الرسل بمثل هذا الوعيد ومع الرسل آيات وحجج:
أحدها: أنهم رأوا أنفسهم مسلّطين على أُولَئِكَ؛ قاهرين عليهم، وكانوا أهل كبر وتجبر؛ ألا ترى أنه قال: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)، دل هذا أنهم كانوا رأوا أنفسهم - كما ذكرنا - أهل تسليط وتجبر.
والثاني: قالوا ذلك لهم؛ لما لم يكن عندهم ما يدفعون حجج الرسل وبراهينهم؛ فهمُّوا قتلهم وإخراجهم؛ لعجزهم عن دفع ما ألزمهم الرسل، وهكذا الأمر المتعارف بين الخلق: أن الخصم لا يقصد إهلاك خصمه؛ ما دام له الوصول إلى الحجاج؛ فإذا عجز عن ذلك فعند ذلك يهم بقتله ويقصد إهلاكه.
والثالث: جواب الرسل إياهم عند القول إليه بالقول الذي ليس فوقه أحسن منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا).
الملة: الدِّين؛ كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا يتوارث أهل الملتين " وقوله تعالى: (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي: دين إبراهيم.
وقوله: (لَتَعُودُنَّ) ليس أنهم كانوا فيها وتركوها؛ ولكن على ابتداء الدخول فيها على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ).
وعد لهم النصر؛ والظفر عليهم؛ والتمكين في أرضهم مع قلة عدد أتباع الرسل وضعف أبدانهم؛ ومع كثرة الأعداء وقوة أبدانهم؛ ليعلموا أنهم قالوا ذلك بوحي من اللَّه؛ ووعده إياهم، لا من حيث أنفسهم، واللَّه أعلم. فكان على ما أخبروا؛ فكان ذلك من آيات رسالتهم، وما ينبغي لهم أن يطلبوا لهم من الرسل الآيات والحجج على ما ادعوا؛ لأنهم لم يدعوهم إلى طاعة أنفسهم أو عبادتها؛ إنما دعوهم إلى وحدانية الله تعالى وألوهيته، وجعل الطاعة والعبادة له دون ما عبدوها من الأصنام، وذلك في شهادة خلقتهم؛ وشهادة كل خلقة؛ وإن لطف وصغر؛ فلم يحتاجوا إلى أن يقيموا البراهين