عن صنيع أُولَئِكَ. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ).
فيه دلالة أن تكلف معرفة الأنساب وحفظها إلى آدم شغل وتكلف؛ لأنه أخبر أن فيهم من لا يعلمه إلا اللَّه وروي في الخبر أنه كان ينسب إلى مُضَر، ولا ينسب إلى أكثر من ذلك.
قال أبو بكر الأصم: قوله: (لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) يكذب من ادعى معرفة الأنساب المتقدمة؛ لأنه قال: (لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)، وقد أخبر أيضًا أنه لم يقص عليه خبر الكل بقوله: (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)، فمن البعيد أن يتكلف تعرف ما لم يقصق على رسوله واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ).
قيل: البينات: بينات على وحدانية اللَّه وألوهيته، ويحتمل الحجج التي أتوا بها الرسل على إثبات الرسالة والنبوة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: البينات: ما يتقون، وما يأتون، وما يحل عليهم وما يحرم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ).
يحتمل أن يكون هذا على التمثيل والكناية عن التكذيب وترك الإجابة؛ لأن رد الأيدي في أفواههم يمنعهم عن التصديق؛ كقوله: (كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ. . .) الآية، إذا ترك إجابته، وقوله: (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، وأمثاله.
ويشبه أن يكون على تحقيق جعل الأيدي في أفواههم، ثم يخرج على وجهين:
أحدهما: (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) في أفواه الرسل: فيقولون إنكم كذبة.
ويحتمل: رد الأيدي في أفواه أنفسهم يصوتون وشمتهزئون بهم وبأتباعهم؛ كقوله: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ. . .) الآية، وقد ذكرنا معناه في موضعه؛ فعلى ذلك هذا يحتمل ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ. . .) الآية.
وقد ذكرنا معناه؛ يحتمل قوله: (بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ) التوحيد؛ لأنهم أرسلوا بالدعاء إلى توحيد اللَّه والعبادة له، يدل على ذلك قولهم: (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ