أرسل قبلك كان أمر أن يقول ما ذكر؛ كذلك أرسلناك إلى قومك رسولا، وإن كانوا يكفرون بالرحمن؛ فقل أنت ما قال أُولَئِكَ الرسل: (رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ. . .) الآية، لم تخل أمة عن رسول؛ كقوله: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ).
(لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) يشبه أن يكون هذا صلة قوله: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ)، يقول: أرسلناك لتتلو أنباء الرسل والأمم الذين كانوا من قبلك عليهم؛ ليكون آية لرسالتك؛ ليعلموا أنك إنما علمت تلك الأنباء بالله تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ).
يقول - واللَّه أعلم - هم يكفرون بالرحمن؛ وفي كل الخلائق آية توحيد الرحمن وألوهيته؛ ولا في كل الخلائق آية لرسالتك، وهم مع ذلك كله يكفرون بالرحمن؛ فعلى ذلك يكفرون بآيات رسالتك.
وقال أبو بكر الأصم: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ) هو صلة قوله: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ)، وكانوا هم أهل التعبد من الكبراء؛ فقال: لو جئتهم بقرآن سيرت به الجبال؛ أو قطعت به الأرض؛ أو كلم به الموتى، يقول: لو جئت بذلك كله كان أمرهم التكذيب والعناد؛ وهو كقوله: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ. . .) الآية وقوله: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ. . .) الآية، يخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن عنادهم أنهم لا يؤمنون بالآية - وإن عظمت - إلا أن يشاء اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا) كقوله: (مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أي: الأمر لله؛ من شاء أن يؤمن فيؤمن، ومن شاء ألا يؤمن فلا يؤمن ألبتَّة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ) أي: يكفرون باسم الرحمن؛ لأنهم قالوا: إن محمدًا كان يدعونا إلى عبادة اللَّه وتوحيده فالساعة يدعونا إلى عبادة الرحمن وألوهيته؛ فذلك عبادة اثنين؛ فقال: (قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ) أي: دعائي إلى عبادة الرحمن وألوهيته وهو دعائي إلى عبادة اللَّه، وهو واحد ليس هو باثنين ولا عدد؛ كقوله: