وقوله: (ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) يحتمل وجهين. يحتمل: ابتغاء رضوان اللَّه.
ويحتمل: ابتغاء وجه يكون لهم عند اللَّه، وهو المنزلة والرفعة، ولذلك سمي الرفيع وذو المنزلة: وجيهًا كقوله: (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، أي: ذو منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة. وعلى ذلك يخرج قوله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، أي: ثَمَّ الجهة التي أمر اللَّه أن يتوجه إليها، فعلى ذلك هذا (صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أي: ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم؛ أو ابتغاء رضوان اللَّه ومرضاته واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ).
أي: داموا على إقامتها؛ ليس أنهم أقاموا مرة ثم تركوها؛ ولكن داموا على إقامتها، وعلى ذلك قوله: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ)، أي: دوموا على إقامتها. ويحتمل قوله: (وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) أي: جعلوها قائمة أبدًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً).
يحتمل كل نفقة: الصدقة والزكاة وما ينفق على عياله وولده، (سِرًّا وَعَلَانِيَةً) أي: ينفق في كل وقت؛ سرا من الناس وعلانية منهم أي: ينفق على جهل من الناس؛ وعلى علم منهم؛ ينفقون على كل حال؛ لا يمنعهم علم الناس بذلك عن الإنفاق، بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ).
أي: يدفعون بالحسنة السيئة، ثم يحتمل وجهين:
أحدهما: يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم؛ كقوله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ. . .) الآية. والثاني: يدرءون الإساءة التي كانت لهم إليهم بالخير إليهم والمعروف، ولا يكافئون بالسيئ السيئ؛ وبالشر الشر؛ ولكن يدفعون بالخير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي: إذا سُفه عليهم حلموا،