ليس فيها بيان الحق منها؛ وبيان المحق من غير المحق؛ سوى أن فيها: هل يستوي ذا مع ذا؛ لا يستوي على ما ذكر، وهل يستوي الطيب والخبيث؛ أو البصير والسميع أو الأصم والأعمى؛ أو الميت أو لحي؛ أو الظلمات والنور؛ وأمثاله، هذا كله غير مستو. وكل أهل الأديان وإن - اختلفت مذاهبهم - يقول كل: أنا الذي عليه هو الحق؛ والباطل هو الذي عليه غيري، وينفي كلٌّ عن نفسه العمى والصمم؛ وكونه في ظلمة؛ ويدعي كونه في النور؛ ونحوه. فليس في نفس الأمثال التي ضربت بيان الحق من الباطل والمحق من غيره؛ فذلك يعرف بغيرها بالدلائل والحجج والبراهين؛ وهو ما ذكر (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ. . .) الآية، فبالدلائل والحجج والبراهين يعرف الحق من الباطل والمحق من غير المحق؛ فللإيمان والحق دلائل وحجج يعرف ذوو العقول - بالعقول - حسنه وطيبه، وما يعقب من ثمرته، ويبين قبح الكفر والباطل لذوي العقول بالعقول، واستخباثهم الباطل؛ وما يعقبه لأهله من الخبث والقبح والشر.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (زَبَدًا رَابِيًا) أي: عاليًا على الماء (ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ) أي: حلي أو متاع آنية يعني من فِلز الأرض وجواهرها؛ مثل الرصاص والحديد؛ ونحوه، والذهب والفضة؛ حيث تعلوها - إذا أذيبت - مثل زبد الماء. والجُفاء ما رمي به الوادي إلى جنباته؛ يقال: أجفأت القدر بِزَبدها: إذا ألقت زبدها عنها.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (رَابِيًا): أي: مرتفعًا فوق ظهر الماء؛ وهو واحد، ويقال: زبد الماء: إذا صار له زبد (ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ) هو من الحلي؛ من الذهب والفضة؛ مما يتحلى به؛ (فَيَذْهَبُ جُفَاءً) أي: باطلا لا ينتفع به، وأما الجفاء: فهو إظهار التهاون بالإنسان؛ وقلة الاكتراث له؛ والاستخفاف به. وقال: الجفاء هو الغثاء، ويقال: قد أجفأ الوادي: إذا علاه ذلك ثم جرى به الماء.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: والغثاء - عندي -: ما حمله السيل؛ من العيدان والبعر؛ وما يشبه ذلك.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: قوله: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)، أي: يبسًا.
قال أبو عبيد: الجفاء الجمود، ويذهب إلى أن الزبد يجمد ويجتمع على الماء، ثم