إعادة الشيء بعد فنائه؛ إذ في الشاهد من قد يقدر على إعادة أشياء بعد فنائها؛ ولا يقدر على رفع سقف؛ ذي سعة وبعد؛ بغير عمد. من ذا الوجه أمكن أن يحتج. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ).
لما لم يفهم من قوله: (سميعٌ عَلِيمٌ)، مدبر المكان؛ وإن كان في الشاهد يفهم منه المكان؛ إذا أضيف إلى المخلوق - لم يجز أن يفهم من استوائه أما يفهم من استواء الخلق.
وبعد فإن في الشاهد؛ إذا قيل: فلان استولى أمر بلدة كذا؛ أو استوى أمره؛ لم يفهم منه المكان، بل فهم منه نفاذ الأمر والسلطان والمشيئة؛ فعلى ذلك لم يجز أن يفهم من اللَّه إذا أضيف إليه المكان.
وأصله: ما ذكرنا فيما تقدم أنه أخبر أنه ليس كمثله شيء؛ فهو في كل شيء؛ وكل وجه؛ لا يشبه الخلق؛ إذ الخلق - في الشاهد - لا يشبه بعضه بعضا من جميع الجهات؛ إنما يشبه بعضهم بعضا بجهة، ثم صاروا جميعًا أشكالا وأشباهًا؛ بتلك الجهة التي وقعت بينهم تشابه؛ فإذًا اللَّه سبحانه وتعالى لما أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، دل أنه إنما نفى عنه الجهات التي يقع بها التشابه والمثل؛ فهو يخالف الخلق من جميع الوجوه.
وهذه مسألة مذكورة فيما تقدم: اختُلف في العرش: قَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: هو الممتحنون بهم، استوى تدبير إنشاء غيرهم من العالم؛ لأنهم هم المقصودون في إنشاء ذلك كله.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: البعث به؛ استوى وتم تدبير إنشاء الخلائق؛ ما لولا البعث يكون إنشاؤهم عبثا باطلا؛ كقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) جعل عدم الرجوع إليه إنشاء الخلق عبثًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: هو الملك؛ وبه تم ما ذكر، وقيل: هو سرير الملك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) على ما في العقل أنه عن تدبير مدبر خرج؛ وعن علم وحكمة وضع؛ ليس على الجزاف بلا تدبير ولا علم.