كقوله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ. . .) الآية، ليس على العزيمة على واحد، ولكن على المشورة فيما بينهم، يدل على ذلك قوله: (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أنهم أرادوا أن يخلو وجه أبيهم لهم، لا قتله، إنما أرادوا غيبته عنه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).
أي: يقبل عليكم أبوكم بوجهه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: يفرغ لكم من الشغل بيوسف.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
يحتمل: (صَالِحِينَ)، أي: تائبين.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تكونوا صالحين عند أبيكم من بعده.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف.
وجائز أن تكونوا قوفا صالحين في الآخرة، وقالوا: إنهم تابوا قبل أن يزلوا ويعصوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: يعني: في قعر البئر، والغيابة: ما يغيبه ويواريه، والجب: البئر، والجباب جمع.
وقال أبو عبيدة: الغيابة: كل شيء غيب عنك شيئًا فهو غيابة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ).
أي: يرفعه بعض السيارة؛ ولذلك يقال للطائر: يلتقط الحب، ويلقط؛ أي: يرفع.
(إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ): إن كنتم لا بد فاعلين أن تغيبوه عنه.
وأما قول أهل التأويل إن قوله: (لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) قاله فلان أو فلان، فذلك مما لا نعرفه، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، واللَّه أعلم.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: السيارة أصلها من السير، هو مثل المسافر، وهي القافلة؛ يعني: العير.
وقيل: الجب: الركية التي لم تطو بالحجارة، فإذا طويت فليس بجب.