(13)

ثم قوله: (دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا): ليس على إرادة حقيقة الجنب والقعود والقيام، ولكن على الدعاء في كل حال، أي: يدعونه في كل حال؛ لما عرفوا أن الذين كانوا يعبدون من دون اللَّه لا يملكون دفع ما حل بهم من الشدائد والمضار - أقبلوا على اللَّه بالتضرع والدعاء إليه في كشف ذلك عنهم.

ثم أخبر عن سفههم وشدة تعنتهم وعودهم إلى الحال التي كانوا من قبل فقال: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ): يقول - واللَّه أعلم -: مر كأن لم يدعنا قد نسينا في الرخاء كأن لم يعرفنا واستمر على ترك الدعاء في الرخاء، وقوله: (كَذَلِكَ) عرفنا ما كانوا يعملون والإسراف هو العدوان، والتعدي عن الحد الذي جعل له وهو وضع الأموال والأنفس في الموضع الذي لا ينتفعون بها في عبادة الأصنام وغيرها، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا): فَإِنْ قِيلَ: قد أهلك من قد ظلم ومن لم يظلم، فما يعلم من أهلك من الظلمة أنه إنما أهلكهم لظلمهم، أو أهلك لصلاح من لم يظلم.

قيل: إنه أهلك الظلمة إهلاك استئصال وعقوبة، وأهلك من لم يظلم لا إهلاك عقوبة واستئصال، إنما هو إهلاك بآجالهم التي جعل لهم.

ويحتمل قوله: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ): إنما أهلك أُولَئِكَ بسؤالهم الذي سألوا سؤال تعنت رسلهم الآيات، فإذا جاءوا بتلك الآيات كذبوها، فأهلكوا عند ذلك، فأنتم يا أهل مكة إذا سألتم رسولكم الآية ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015