أن جزاء الآخرة كله إفضال وإحسان وإنعام لا استحقاق واستيجاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ).
قيل: الحميم: هو الشراب الذي انتهى حره غايته.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) ذكر في الشمس الضياء وفي القمر النور فهو - واللَّه أعلم - لأن الليل مظلم يظهر نور القمر فيه ويغلب على ظلمة الليل ويقهرها، وأما النهار فهو مبصر على ما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) جعل فيه النور، فلو جعل الشمس في النور خاصة، لكان لا يظهر نور الشمس ولا غلب نورها على نور النهار، ويغلبه ويقهره ليظهر المنافع التي جعل فيها ولو كان نورًا مثله لم يظهر نور هذا من هذا ولم يوصل إلى المنافع التي جعلت فيها للخلق، وهو ما ذكر أنه مد الظل، وأخبر أنه لو شاء لجعله ساكنًا ولو كان ساكنًا ممتدًّا على ما جعل بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ)، لكان لا يعرف الظل، ثم أخبر أنه جعل الشمس دليلا عليه ليعرف بها الظل، فتنسخ الشمس ذلك الظل الممدود شيئًا بعد شيء، فصارت الشمس بها يعرف الظل وبها يظهر فضل ذلك الضياء الذي في الشمس كان به يعرف نورها من نور النهار وبه يوصل إلى منافع الشمس، ولو كان نورًا لكان لا يعرف ولا يظهر؛ إذ لا يغلب أحدهما صاحبه - واللَّه أعلم - ولا يعرف آية الشمس من آية النهار، ثم جعل آية الشمس غالبة على جميع الآيات حتى لا تبصر النجوم بالنهار أصلا والقمر وإن كان نوره يرى بجلاء، فإن نور الشمس قد يغلبه ويقهره حتى لا يظهر أبدًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ).
يشبه أن يكون التقدير الذي ذكر لهما جميعًا ويعرف الحساب وعدد السنين لهما جميعًا، وكذلك ذكر في حرف حفصة: (وقدرهما منازل)، وجائز أن يكون جعل الشمس بالذي يعرف بها أوقات الصلوات والأزمنة من الشتاء والصيف لا يعرف ذلك بالقمر، وجعل في القمر معرفة الشهور والسنين، وفي الشمس معرفة أوقات الصلوات