والثاني: أمر بنفر الكل عند النفير.
فيكون إحدى الآيتين في حالة النفير، والأخرى في غير حال النفير وما ذكرنا في وقت القلة والكثرة.
فمن يقول: إن الآية في الذين كانوا يخرجون جميعًا مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج، كأنه نهى عن الخروج جملة مع رسول اللَّه؛ خوفًا على أهاليهم وذراريهم، لعل العدو سباهم وأخذ أموالهم يقول اللَّه: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)، أي: هلا نفر طائفة منهم فيخبروا الكفار المقيمين بما أنزل اللَّه على رسوله من النصر والمعونة والهزيمة على الكفار الذين قاتلوا رسول اللَّه، فيكون ذلك سبب دعائهم إلى الإسلام.
وإلى هذا ذهب الحسن والأصم ويقولون: إن هذه الآية نسخت الآية التي قبلها وهي قوله: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ).
يقول الحسن: إن عليهم أن يخرجوا مع رسول اللَّه إذا خرج، فيقول: هذا منسوخ بالآية التي تليها: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) الآية.
ومن يقول بأن الآية في الوفود الذين كانوا يأتون رسول اللَّه المدينة بالنساء والذراري، فالنهي لذلك لما كانوا يضيقون على أهل المدينة أوطانهم ويغلون أسعارهم ونحوه؛ يقول: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ)، أي: يعلمون الدِّين وأحكامه، ثم ليرجعوا إلى قومهم فيعلموهم.
ومن يقول: الآية في الذين خرجوا ونفروا مع السرايا، نهاهم عن خروج الكل؛ لما لعله لما نزل على رسول اللَّه شيئًا، فلم يكن معه أحد يبلغه إليهم ثم يبلغ إلى من هو غاب عنه ضاع ذلك فيقول: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) ما نزل على رسول اللَّه، وليبلغوا ذلك إلى من غاب عنه.
(مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ).
قيل: من كل عصبة، ومن كل قبيلة، ومن كل حي، ففي الآية دلالة سقوط فرض