يحتمل هذا على التحقيق، ويحتمل أن يكون على التمثيل.

وللتحقيق وجهان:

أحدهما: (ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ): ما ذكر أنهم شدوا أنفسهم بالسواري والأسطوانات، وأتوا بأموالهم التي منعتهم عن الخروج مع رسول اللَّه، وتصدقوا بالأرضين التي منعتهم عن الخروج، وضاقت عليهم الأرض بعد ما كانت عليهم متسعة يتسعون فيها؛ لأنه ذكر في القصة أن واحدًا من هَؤُلَاءِ ممن حبسته أرضه عن الخروج فتصدق بها على الفقراء، وكان له التوسع بتلك الأرض ثم ضاقت عليه.

والثاني: (ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ): لما حبسوا أنفسهم عن أراضيهم، وتركوا شهواتهم وأمانيهم وما يتلذذون به؛ ذلك ضيق الأرض.

(وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ): لما شدوا أنفسهم بالأسطوانات.

ويحتمل أن يكون على التمثيل؛ وذلك أن الخوف إذا اشتد بالإنسان وبلغ غايته حتى يمنعه عن القرار في الأرض والتلذذ فيها يقال: ضاقت عليه الأرض بسعتها، وضاقت عليهم أنفسهم؛ لما ذكر كان الناس لا يكلمونهم ولا يخالطونهم ولا يبايعونهم ولا يكلمهم أهاليهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: ظنوا أن لا نجاة من عقوبة اللَّه إلا عفوه، أي: أيقنوا أن لا مخلص لهم ولا احتراز لهم من عقابه.

وقيل: ظنوا أن لا ملجأ من عذاب اللَّه إلا إلى رحمته.

وقيل: وظنوا أن لا ملجأ من رسول اللَّه إلا إلى اللَّه؛ لأنه ذكر أنهم سألوا رسول اللَّه، التجاوز عن ذلك فلم يجبهم، فأيقنوا عند ذلك أن المفزع والملجأ إلى اللَّه لا إلى أحد دونه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ).

أي: وفقهم للتوبة فتابوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015