ثم المسألة فيما عملوا بالمنسوخ قبل العلم بالنسخ ما حال العمل الذي عملوا به يجرحون ويأثمون في عملهم بذلك في حال نسخه، أو يثابون ويؤجرون على ذلك؟ فإن كان الفعل فعل طاعة وقربة، فإنه يثاب في قصده وفعله ولا يجرح فيه.
وإن كان فعله ليس بفعل قربة وطاعة، ولكن فعل حل وحرمة - فإنه في فعله قبل بلوغ العلم بنسخه لا يجرح في فعله؛ نحو ما روي أنهم كانوا يشربون الخمر ثم أتاهم آت فقال: ألا إن الخمر قد حرمت، فصبُّوها وكفوا عنها، فهم في شربهم بعد التحريم قبل بلوغ الخبر إليهم لا يجرحون.
وأما الفعل الذي هو فعل قربة وطاعة: فإن لهم القربة في فعلهم وهو الصلاة؛ ونحوه ما روي أن نفرًا كانوا يصلون إلى بيت المقدس، فمرَّ عليهم مار فقال: ألا إن القبلة قد حولت - وهم في الركوع - إلى الكعبة، فتحولوا نحوها، فأخبروا عن ذلك رسول الله فلم يأمرهم بالإعادة؛ لأن الفعل فعل قربة وطاعة، فالطاعة والقربة موجودة في فعلهم؛ لأن الأفعال التي فرضت لم تفرض لنفس الأفعال إنما فرضت للطاعة والقربة لله فيها، فإنه يؤجر على ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
بما فيه مصالح الخلق وما ليس فيه؛ كان هذا - واللَّه أعلم - خرج لإنكار من أنكر النسخ في الشرائع؛ يقول: إن اللَّه يعلم بما فيه مصالح الخلق وأنتم لا تعلمون، وفي الناسخ مصالح لهم وأنتم لا تعلمون، ويؤكد ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ (116)