علم أنه لا يؤمن، فعلى ما علمنا أنه لا يغفر له لم نستغفر له فلم يجز لنا أن نقول: إنه أراد الإيمان لمن يعلم أنه لا يؤمن أبدًا؛ كما لم يجب أن يغفر لمن وجبت له النار، فهذا ينقض على المعتزلة قولهم: إن اللَّه قد أراد لكل كافر الإيمان، لكنه لم يؤمن.
ثم قوله: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).
قال بعض أهل التأويل: إن رسول اللَّه قد استغفر لأحد والديه، وذكر أنه دخل على أبي طالب عمه فدعاه إلى شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فأبى، ثم استغفر له وقال: لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنه أو كلام نحو هذا، فنزل قوله: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى. . .) الآية.
قال الحسن: لا يحتمل أن يكون رسول من رسل اللَّه لا يعلم أن اللَّه لا يغفر للكافر؛ إذ في العقل والحكمة ألا يغفر له والتعذيب له أبدًا، وعندنا في الحكمة تعذيب الكافر أبدًا وألا يغفر له لوجوه:
أحدها: أن في ذلك تسوية بين العدو ووليه، ومن سوى بين عدوه ووليه فهو ليس بحكيم؛ إذ في الحكمة التمييز بينهما.
والثاني: أنه إذا عبد غير اللَّه معه إنما يعبد غيره لجهله، وتلك الجهالة لا ترتفع أبدًا؛ لأنه إذا غفر له فيقع عنده أنه إنما جزى وغفر له لعبادة غير اللَّه.
والثالث: أنه لو غفر للكافر لذهبت حكمة الأفعال؛ لأن الأفعال إنما يؤمر بها لعواقب تتأمل:
إما حمدًا وإما ذمًّا، فإذا غفر له حمد بأفعال كان الحق له الذم بها، ففي ذلك خروجها عن الحكمة.
وجائز أن يكون رسول اللَّه يستغفر للمنافقين، قبل أن يتبين له أنهم منافقون، فلما تبين