عليه أزقة المدينة، فتنحى بها، وكان يصلي الصلوات كلها مع رسول اللَّه ويخرج إليها، ثم ضاقت عليه بها مراعى المدينة فتنحى بها فكان يصلي الظهر والعصر مع رسول اللَّه ثم يتبعها، ثم تنحى بها، فكان يصلي الجمعة مع رسول اللَّه ثم يتبعها، ثم بلغ أمره إلى أن ترك الجمعة والجماعات، فتنحى بها ويتلقى الركبان فيسألهم عن الخبر وعما أنزل على رسول اللَّه فأنزل اللَّه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. . .) الآية، فبعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على الصدقة رجلين فكتب لهما فرائض الصدقة، وأمرهما أن يسعيا في الناس ويأخذا صدقاتهم، وأن يمرَّا بثعلبة ورجل من بني سليم فيأخذا صدقاتهما، فخرجا بصدقات الناس، فمرا بالسلمي فأقراه كتاب رسول اللَّه فأطاع بالصدقة، ومرَّا بثعلبة فأقرآه كتاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فقال: واللَّه ما أدري ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية، فإذا فرغتما فمرَّا بي حتى أرى رأيي، فلما فرغا من الناس مرَّا به فقال لهما مثل، مقالته الأولى، وقال: انطلقا فإني سألقى رسول اللَّه، فأنزل اللَّه: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ. . .)، إلى قوله: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا)، إلى هذا ذهب عامة أهل التأويل أنها نزلت في شأن ثعلبة.
ومنهم من قال ما ذكرنا أنها نزلت في شأن أهل تبوك الذين تخلفوا عن رسول اللَّه.
ومنهم من قال: الصدقة التي أمر اللَّه رسوله أن يأخذها من أموالهم هي صدقة تطوع وتبرع، وهو ما ذكر أن رسول اللَّه كان يحث الناس على الإنفاق في غزوة تبوك، فجاء عبد الرحمن بن عوف بكذا، وفلان بكذا، فأخذها منهم، وفيه نزل قوله: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ).
ومنهم من قال: هو في كل صدقة تطوع، قلَّت الصدقة أو كثرت، أمر رسوله أن يأخذ من أموالهم ما رأى لا يأخذ الكل؛ لأن أخذ الكل يحوجهم ويشغلهم عن جميع الطاعات