أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) كان في طائفة مشار إليها، لا كل الأعراب؛ لأنه ذكر - هاهنا - أن منهم من ينقق ويتخذ ما ينفق قربات عند اللَّه، وذكر في الآية الأولى أن منهم من يتخذ ما ينفق مغرما، أي: لا يراه حقّا واجبًا، ولكن غرما يلحقه، ومنهم من يرى ذلك حقًا لله واجبًا في أموالهم، فيجعلون ذلك قربة لهم عند اللَّه، وأُولَئِكَ يرونه غرمًا لحقهم، لا قربة.

ثم في الآية خوف دخول المؤمنين في وعيد هذه الآية، الذين لا يؤدون الزكاة، ولا ينفقون، وخوف لحوق النفاق؛ لأنه أخبر أنهم يتخذون ما ينفقون مغرمًا، فمن ترك أداءه إنما يتركه؛ لأنه لا يرى ذلك حقّا؛ لأنه لو رأى ذلك حقا واجبًا لأداه على ما أدى غيره من الحقوق، أو لو كان موقنًا بالبعث لأنفق وجعل ذلك قربة له عند اللَّه؛ لأن المؤمن إنما ينفق ويعمل للعاقبة، فإذا ترك ذلك يخاف دخوله في وعيد الآية، ولحوق اسم النفاق به، وإن كنا لا نشهد عليه بذلك.

وقوله: (وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: جعلوا ما أنفقوا قربات عند اللَّه بصلوات الرسول؛ لأنهم إذا أنفقوا كان الرسول يدعو لهم بذلك ويستغفر، فكان ذلك لهم قربات عند اللَّه باستغفار الرسول ودعائه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: جعلوا ما أنفقوا وصلوات الرسول قربات عند اللَّه، ويكون لهم ما أنفقوا قربة عند اللَّه، وصلوات الرسول طمأنينة لهم وبراءة من النفاق؛ لأن الرسول كان لا يدعو لأهل الكفر والنفاق، فإذا دعا لهَؤُلَاءِ وصلى عليهم كان ذلك طمأنينة لقلوبهم، وعلمًا لهم بالبراءة من النفاق؛ وعلى ذلك يخرج قوله: (إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). أي: تسكن قلوبهم بصلاة الرسول وتطمئن بأنهم ليسوا من أهل النفاق، وأنهم برآء من ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ).

ذكر هذا مقابل ما ذكر في الآية الأولى، وهو قوله: (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) أخبر - هاهنا - أن ما يتربصون هم بهم من الدوائر عليهم ذلك، وهاهنا أخبر أن ما ينفق المؤمنون ويطلبون بذلك قربة عند اللَّه أنها قربة لهم.

ثم وعدهم الجنة بقوله: (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ)، أي: جنته، سمى جنته رحمة؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015