وعن ابن عَبَّاسٍ في قوله: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)، قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرثون الأنصار دون رحمهم بالأخوة التي آخى النبي بينهم، فلما نزل قوله: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)، نسخها: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من النصر، والنصيحة، والرفادة، ويوصي له ولا ميراث.
وعن الحسن في قوله - تعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) فكان
المسلطون يتوارثون بالهجرة، فكان الأعرابي لا يرثه المهاجر، والمهاجر لا يرثه الأعرابي، فحرضهم بذلك على الهجرة، حتى كثر المسلمون، فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ. . .) الآية، فورث الأعرابي المهاجر وتوارثوا بالأرحام. إلى هذا يذهب عامة أهل التأويل، وكانوا يرون أن الهجرة كانت مفترضة، فزال فرضها بقول النبي - عليه السلام -: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ".
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: انقطعت الهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، فإنما كانت الهجرة إلى اللَّه ورسوله، والمؤمنون يفرون بدينهم من أن يفيئوا عنه، وقد أفشى اللَّه الإسلام.
هذا الذي ذهب هَؤُلَاءِ في قوله: (بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) في التوارث محتمل.
ويحتمل غير هذا، وهو أن قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا. . .) إلى قوله: (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) أي: بعضهم أولياء بعض، في تمام الولاية، في التناصير، والتعاون، والحقوق، والديانة، فهم أولى بعضهم ببعض من الذين آمنوا ولم يهاجراوا؛ لأنهم آمنو اوهاجروا، أي: تركوا منازلهم وأهلهم وقراباتهم وبلدهم الذي كانوا فيه مقيمين؛ إشفاقًا على دينهم، واستسلامًا لهم ولأنفسهم، والأنصار آووهم، وأنزلوهم في منازلهم، وبذلوا أنفسهم وأموالهم، وتحملوا جميع مؤنتهم من غير أن كان سبق منهم إليهم شيء، فصاروا لهم أعوانًا وأنصارًا، فصار بعضهم أولياء بعض في تمام ما ذكرنا من الولاية: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)، أي: (مَا لَكُمْ مِنْ