وإن تدعو أهل مكة إلى الهدى، (لَا يَسْمَعُوا) أي: لا يجيبوا (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) أي: لا ينتفعون به، أو لشدة تعنتهم لا يبصرون.
وجائز أن يكون يقول: وإن تدعوا الأصنام التي تعبدون إلى الهدى (لَا يَسْمَعُوا) أي: لا يجيبوا، ولا يملكون الإجابة.
ويحتمل (لَا يَسْمَعُوا) حقيقة السمع، (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) على التمثيل، أي: كأنهم ينظرون إليك، وهم لا يبصرون حقيقة.
* * *
قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُذِ الْعَفْوَ) يتوجه وجهين:
أحدهما: على حقيقة الأخذ.
والثاني: على العمل بالعفو.
فإن كان على الأخذ فهو على وجهين:
الأول:، يحتمل أن خذ الفضل الذي لا حق فيه، وهو القليل من ذلك واليسير.
والثاني: أن خذ ما يفضل من أنفسهم وحوائجهم من غير مسألة، أي: اقبل منهم ما أعطوك، ولا تلح في المسألة؛ كقوله: (وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا). أخبر أنه إن يسألهم أموالهم حملهم ذلك على البخل.
وإن كان على العمل فهو على وجوه:
أي: اعف عن الظلمة، عن ظلمهم، وأعرض عن السفهاء واحلم معهم؛ أمر رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أن يعامل الخلق بأشياء ثلاثة: أمر أن يعفو عن الظلمة عن ظلمهم، لا يكافئهم بظلمهم، وأمر أن يعرض عن السفهاء والجهال ويحلم معهم، وأمر أن يعامل المؤمنين باللين والرفق؛ ولذلك وصفه بالرحمة والرأفة بقوله: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).