الخير ومن العمل الصالح، أو لو كان يعلم الغيب لاستكثر المال على ما قَالَ بَعْضُهُمْ؛ هذا بعيد.

ولكن التأويل - واللَّه أعلم - أن يجعل قوله: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا) أي: لا أعلم لكم نفعًا ولا ضرًّا، ولو كنت أعلم لكم الغيب لاستكثرت من الخير عند اللَّه، أي: لو كنت أعلم لكم ذلك لصدقتموني وآمنتم بي ولاستكثرت من الخير عند اللَّه بإيمانكم باللَّه وتصديقكم إياي.

أو أن يقال: لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا، ولو كنت أملك لكم ذلك لاستكثرت من الخير؛ لأنكم إذا رأيتموني أملك نفع ما غاب عنكم ودفع ضر ما غاب، لآمنتم بي وصدقتموني، فأنا بذلك استوجبت عند اللَّه خيرًا كثيرًا، يجعل قوله: (وَلَو كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) جواب ما تقدم من الكلام، واللَّه أعلم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا) أي: لا أعلم الغيب إلا قدر ما أوحي إليَّ (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أعلم الغيب قبل أن يوحى إلي، ولو كنت أعلم ذلك لاستكثرت من الخير بذلك.

وحاصل التأويل في قوله: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ): ما ذكرنا بتصديقكم إياي وإيمانكم بي، أو ما ذكرنا من السعة والخصب في الدنيا لأهله ولأصحابه، أو ما ذكرنا، أي: لو كنت أملك لكم نفع ما غاب عنكم ودفع ضرر ما غاب -أيضًا- لآمنتم بي وصدقتموني، فأنا بذلك استوجبت عند اللَّه خيرًا كثيرًا.

وجائز أن يكون قوله: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أي: لو كنت أعلم من المصدق ومن المكذب لاستكثرت من الخير؛ لأنه لا يشتغل بمن يعلم أنه يرد ولا يجيب، وإنما يشتغل بمن يعلم منه أنه يجيب ولا يكذب، فيستكثر أتباعه والمطيعين لله.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) هو صلة قوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) كانوا يقولون: إن به جنونًا، فقال: (وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) من النسبة إلى الجنون، ويقول: ما مسني السوء منكم: سوء ردٍّ وتكذيب؛ لأنه لو علم الذي يجيبه ويصدقه من الذي لا يجيبه ولا يصدقه، لم يمسه سوء من الرد والأذى؛ لأنه لا يشتغل به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015