يخاطب الناس والخلق جميعًا فيقول: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، ولكن إنما يكون ببعث الرسل إليهم، فينزل قول الرسول أنه رسول اللَّه إليكم منزلة قول نفسه: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)، فانتشر ذكره بتبليغ الرسل إليهم، كأنه هو بلغ ذلك وقال لهم: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)، أو أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - سخر الخلق حتى بلغ بعضهم بعضًا رسالته، حتى فشا خبره، وانتشر ذكره في جميع آفاق الأرض شرقًا وغربًا، وذلك من عظيم آيات نبوته ورسالته.
ثم بيَّن أنه رسول مَنْ فقال: رسول (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ)، وذكر تخصيص السماوات والأرض وإن كان له ملك الكل؛ لما هما النهاية في ملك البشر عند البشر.
أو ذكر هذا؛ ليعلموا أن من في السماوات والأرض له عبيده وإماؤه.
أو ذكر هذا؛ ليعلموا أن التدبير فيهما جميعًا لواحد؛ حيث اتصلت منافع السماء بمنافع الأرض على بعد ما بينهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ) ذكر هذا؛ لأن العرب سمت كل معبود إلهًا، وهم كانوا يعبدون الأصنام دونه ويسمونها آلهة، فنفى الألوهية عمن يعبدونهم دونه، وأثبتها له، وأخبر أنه هو المستحق لاسم الألوهية والعبادة لا غيره؛ لأنه يحيي ويميت، ومن يعبدون دونه لا يملك الإحياء ولا الإماتة، وذكر هذا - واللَّه أعلم - الحياة والموت؛ لأنه ليس شيء ألذ وأشهى في الشاهد من الحياة، ولا أمرَّ ولا أشد من الموت؛ ليرغبوا في ألذ ما غاب عنهم، وينفروا عن الأمر والأكره مما غاب عنهم، واللَّه أعلم.
أو ذكر أنه يحيي ويميت؛ ليدل أنه فعل واحد، لا عدد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ).
كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو السابق إلى كل خير؛ فعلى ذلك دعا الخلق إليه؛ كقوله: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)؛ فعلى ذلك إنما أمر بالإيمان به بعد ما آمن هو.