واتخاذكم له إلهًا، وقد سمى اللَّه تعالى العذاب في غير موضع من القرآن: أمرًا؛ كقوله: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)، ونحوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ).
قال أكثر أهل التأويل: ألقى الألواح، أي: طرحها على الأرض غضبًا منه، فوقع منها كذا وكذا، وبقي كذا، لكن لا يجوز أن يفهم من قوله: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ) طرحها لا غير؛ ألا ترى أنه قال: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ)، ليس يفهم منه الطرح والإلقاء، ولكن إنما فهم منه الوضع، فعلى ذلك قوله: (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ) أي: وضع؛ لأنه أخذ رأسه ولحيته، أعني: رأس أخيه هارون، ولا سبيل له إلى أن يأخذ رأسه ولحيته والألواح في يديه، فوضعها على الأرض، ثم أخذ رأسه ولحيته يجرُّه إليه، على ما ذكر في سورة طه؛ حيث قال: (يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) دل هذا أنه كان أخذ رأسه ولحيته جميعًا لشدة غضبه لله على صنيع قومه.
وفي الآية دلالة العمل بالاجهاد؛ لأنه قال: (لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي)، ولا يحتمل أن يكون موسى يأخذ رأسه بالوحي لأمر من اللَّه، ثم يقول له هارون: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، ولا تفعل كذا.
وفيه أيضًا: أن هارون لما قال له: (يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ) إنما قال ذلك بالاجتهاد؛ حيث قال: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) لأنه لو كان يقول له بالوحي أو بالأمر، لم يكن ليعتذر إليه بقوله فلا تشمت بي الأعداء.
وقوله: (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ).
فيه دلالة أنه إنما أخذ شعر رأسه؛ لأنه لو كان أخذ رأسه، لكان لا يحتاج إلى أن يجره إليه؛ دل أنه كان أخذ بشعر رأسه.
وكذلك قوله: (يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي)، فيه دلالة لأصحابنا أن من