ثم لا يصح ذلك على قول المعتزلة؛ لأن الدعاء بالمعونة على أداء ما كلف وقد أعطى؛ إذ على قولهم لا يجوز أن يكون مكلفًا قد بقي شيء مما به أداء ما كلف عند اللَّه، وطلب ما أعطى كتمان للعطية؛ وكتمان العطية كفران، فيصير كأن اللَّه أمر بكفران نعمه وكتمانها وبطلبها منه تعنتًا، وظن مثله باللَّه كفر، ثم لا يخلو من أن يكون عند اللَّه ما يطلب فلم يعط التمام إذًا، أو ليس عنده، فيكون طلبه استهزاء به؛ إذ من طلب إلى آخر ما يعلم أنه ليس عنده فهو هازئ به في العرف مع ما كان الذي يطلب إما أن يكون لله ألا يعطيه مع التكليف، فيبطل قولهم لا يجوز أن يكلف وعنده ما به الصلاح في الدِّين فلا يعطي، أو ليس له ألا يعطي فكأنه قال: اللهم لا تجر ولا تظلم ومن هذا علمه بربه فالإسلام أولى به، فهذا مع ما لا يدعو اللَّه أحد بالمعونة، وإلَّا ويطمئن قلبه أنه لا يزل عند المعونة، ولا يزيغ عند العصمة، وليس مثله يملك اللَّه عند المعتزلة، ولا قوة إلا باللَّه.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ).
عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (بِالسِّنِينَ) قال: بالجوع، وقيل: بالقحط.
ومجاهد: (بِالسِّنِينَ) قال: بالجوائح ونقص من الثمرات دون ذلك.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: بالسنين: بالجدب؛ يقال: أصاب الناس سنة: أي جدب.
فَإِنْ قِيلَ: ذكر أنه أخذ آل فرعون، وكان فيهم بنو إسرائيل فما معنى التخصيص؟
قيل: يحتمل أن يكون ذلك لهم خاصّة دون بني إسرائيل، وإن كانوا فيهم؛ على ما ذكر