وأما قول من يقول بالإياس وقطع الطمع عن ذلك: فذلك -أيضًا- بعيد؛ لأن الإياس إنما يكون فيما يعلم أنه لا يكون ألبتَّة من نحو ما ذكر من قوله: (وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، ونحوه، وأمَّا مثل هذا فإنهم لا يفهمون منه الإياس وقطع الرجاء، بل كانوا يأتون بالفواحش، ويقولون: اللَّه أمرهم بذلك، فأنَّي يقع لهم الإياس بذلك؟!

وأمَّا عندنا فإنه على حقيقة المشيئة، وذلك أن مَن علم اللَّه منه أنه يختار الكفر، ويؤثر ذلك على فعل الإيمان والطاعة - يشاء ذلك له على ما علم أنه يختار، ومن علم منه أنه لا يختار ذلك لا يشاء؛ إذ لا يجوز أن يعلم منه غير الذي يكون أو أن يشاء غير الذي علم أنه يكون منه؛ لأنه جهل وعجز.

وأصله: أن شعيبًا خاف أن تسبق منه زلة ويصير منه الاختيار لذلك فيشاء الله بذلك الزيغ والضلال، وكذلك جميع الأنبياء خافوا ذلك؛ كقول إبراهيم - عليه السلام - حيث قال: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا)، وقول يوسف حيث قال: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ)، كان خوف الأنبياء - عليهم السلام - أكثر من خوف غيرهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا).

معناه - واللَّه أعلم - أنه لا نعلم إلى ماذا تصير عاقبة أمرنا، وعلم اللَّه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا).

قيل: على اللَّه اعتمدنا فيما تخوفُنَّنا من الإخراج، وإليه نلجأ في سلطانه وملكه، وبه نثق في وعده بما يعدنا من النصر والظفر على الأعداء.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015