أحدها: أن ذلك منه إخبار عن قومه لا عن نفسه، أي: افتروا على اللَّه كذبًا إن عادوا في ملتكم بعد إذ نجاهم اللَّه منها، وما يجوز لهم أن يعودوا فيها، وأما هو فإنما أجابهم عن نفسه بما ذكر في سورة هود: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ). أجاب هو قومه كما أجاب غيره من الرسل قومهم حين أوعدوهم بالقتل والعقوبة، كما قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ "، وكما قال هود: (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ)، ونحو ذلك من الجوابات التي كانت من الأنبياء - عليهم السلام - لأقوامهم.

ويحتمل أن يكون على الابتداء من غير أن كان فيها؛ كقوله: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ) رفعها ابتداء من غير أن كانت موضوعة، وكقوله: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، إخراج ابتداء لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم.

ويحتمل ما ذكرنا أنه أجابهم على ما عندهم أنه كان على دينهم، فأجاب لهم على ما عندهم أنه على ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا) أي: ما يجوز لنا أن نعود فيها، وقول شعيب: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ) تعريض تسفيه منه إياهم أنكم قد افتريتم على اللَّه كذبًا لا تصريح؛ حيث لم يقل: قد افتريتم أنتم على اللَّه كذبًا، قال: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ)، وذلك منه تلطف بهم وترقق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا).

اختلف في تأويله:

قال الحسن: من حكم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن من قبل دينه وأطاع رسوله أن يكون وليًّا له، وسمى مؤمنًا، ومن رد دينه وعصى رسوله يتخذه عدوًّا له، ويكون كافرًا.

وقال أبو بكر الكيساني: قوله: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا): أن يتعبدنا، ويمتحننا ببعض ما كانوا يتقربون به.

ويشرع لهم ما يحل ويسع، لم يرد به الدِّين الذي هم عليه، لكن هذا لا يحتمل؛ لأن سؤالهم كان العود إلى ملتهم، فعلى ذلك خرج الثنيا.

وقال أبو جعفر بن حرب: قوله: (إِلَّا أَن يشَآءَ اللَّهُ): إلا أن يأمرنا اللَّه بما يؤيسهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015