ولم يؤخذ عليه كذب قط، وقد كان نشأ بين أظهرهم، وغير ذلك من الأعلام التي كانت في نفسه ظاهرة لقومه، فلو لم يكن له آيات غيرها، لكانت واحدة منها كافية لمن لم يكابر، فكيف وقد كانت له آيات حسية وعقلية سوى ما ذكرنا تقهر المنصفين على قبولها!

ويحتمل قوله: (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي: حجة على أنه رسول أو على توحيد اللَّه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ) وذكر في هود في قصته: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)، وليس في قوله: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ) أنهم كانوا لا يوفون ولكن فيما ذكر في سورة هود. (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ).

ودل قوله: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) وإن الأشياء ملك لهم، وإن كانت في قبض أُولَئِكَ، وفي أيديهم، ثم يحتمل الأمر بإيفاء الكيل والميزان وجوهًا:

أحدها: لما كانوا أمناء؛ لئلا تذهب عنهم تلك الأمانة التي كانت لهم في قومه.

والثاني: لئلا يظلموا الناس في منع حقوقهم وأموالهم.

والثالث: للربا، كان ما منعوا منه من الكيل والوزن ربا لهم، يدل على ذلك قوله: (بِالْقِسْطِ) ذكر العدل، فلو كان يجوز تلك الزيادة والنقصان إذا طابت أنفسهم بالزيادة والنقصان، لكان لا معنى لذكر القسط فيه؛ لأن من زاد آخر على حقه لم يمنع عن ذلك، ولم يذم، دل النهي عن ذلك على أنه للربا ما منعوا عن ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا).

أي: بعد أن جعلها لكم صالحة لمعاشكم ومقامكم فيها، أو بعد ما أمر وبين لكم ما به صلاحكم وصلاح دينكم، أو بعد ما أرسل من الرسل ما بهم صلاح الأرض وأهلها.

(ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015