(25)

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ... (25) وكانوا يستمعون إليه ليجادلوه، على ما ذكر، (احَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ) دل هذا أنهم كانوا يستمعون إليه للمجادلة معه والخصومة.

وقيل في بعض الحكايات: إن الناس كانوا ثلاث فرق في أخبار الرسل والأنبياء - عليهم السلام -: منهم من يستمع للجمع والاستكثار.

ومنهم من يستمع ليأخذ عليهم سقطاتهم وما يجري على لسانهم من الخطأ.

ومنهم من يستمع ليأخذ الحق منه ويترك الباقي، ولكن هَؤُلَاءِ كانوا يستمعون إليه ليخاصموه في ذلك وليجادلوه؛ ليعرف قومهم أنهم يستمعون إليه، ويعرفون ما يقول ليصدوا بذلك أتباعهم.

والثاني: أنهم يستمعون ويحاجون في ذلك ليعرفوا أنهم أهل حجاج وعلم ليصدوهم عنه.

ثم يحتمل أن يكونوا أهل نفاق؛ لأنهم كانوا يرون ويظهرون الموافقة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ويضمرون الخلاف له.

ويحتمل أن يكونوا أهل الشرك، أي: رؤساؤهم؛ ليستمعوا إليه، ويجادلوه فيما يستمعون إليه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا).

أخبر أن على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرًا.

وقال: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ).

نفى عنهم ذلك لما لم ينتفعوا بذلك كله، وإن لم يكونوا - في الحقيقة - صما، ولا بكمًا، ولا ما ذكر، لما لم ينتفعوا بما أنشأ فيهم من السمع والبصر والعقل، فنفى عنهم ذلك.

ثم قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً).

لا يخلو إضافة ذلك إلى نفسه من أن يكون خلق منهم فعل الكفر، أو خلق الظلمة التي في قلوبهم، يعني ظلمة الكفر؛ لأن ظلمة الكفر تستر وتغطي كل شيء، ونور الإيمان ينير منه كل شيء، فإضافة الفعل إليه لا تخلو من أحد هذين الوجهين، إما لخلق فعل الكفر منهم، ففيه دلالة خلق أفعالهم، وإما لخلق ظلمة الكفر في قلوبهم. وفيه ردّ قول المعتزلة لإنكارهم خلق فعل العباد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015