واحتج بعض الناس بظاهر هذه الآية أن الإسلام لا يلزم إلا بالأمر والدعاء إليه، وقالوا: إن من مات قبل أن يؤمر به، وقبل أن يدعي إليه - فإنه لا شيء عليه، وعلى ذلك من مات في وقت الفترة وانقطاع الرسل والوحي؛ لأنّه قال: (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أخبر أنه أمر بذلك، وإذا لم يكن ثَمَّ أمر لم يلزم، لكن الوجه في الآية ما ذكرنا، أي: أمرت أن أسلم وأخضع أولا ثم آمر غيري، فإذا كان التأويل هذا بطل أن يكون في ذلك حجة لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قل يا مُحَمَّد لكفار أهل مكة: (إِنِّي أَخَافُ)، أي أعلم (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) فعبدت غيره، (عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
هذا التأويل صحيح إن كان ما ذكر من سؤالهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعرضهم المال عليه ليعود ويرجع إلى دينهم، فيخرج هذا على الجواب لهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) وعلى الخوف، لكن لقائل أن يقول: كيف خاف عذاب يوم عظيم وقد أخبر أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! وكيف قال: (إِنْ عَصَيْتُ) وقد أخبر أنه عصمه وغفر له؟
قيل: يحتمل أن تكون المغفرة له على شرط الخوف غفر له ليخاف عذابه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ... (16) قال بعض المعتزلة: الرحمة هاهنا: الجنة؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل في الآخرة دارين؛ إحداهما: