(5)

ولم يكونوا يومئذ يعرفون التوحيد والبعث، كانوا كلهم كفارًا عبدة الأوثان والأصنام لا يحتمل أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ألف ذلك وأنشأه من ذات نفسه؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك باللَّه.

وفيه دلالة إثبات المحاجة في التوحيد والمناظرة فيه؛ لأن أكثرها نزلت في محاجة أهل الشرك، وهم كانوا أهل شرك، وينكرون البعث والرسالة، فتنزل أكثرها في محاجتهم في التوحيد وإثبات البعث والرسالة.

وفيه أنه إذا ثبت فساد قول أحد الخصمين، ثبت صحة قول الآخر؛ لأن إبراهيم لما قال: (هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ)، أثبت فساد عبادة من يعبد الآفل بالأفول.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ... (5) يحتمل الحق: الآيات التي كان يأتي بها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من آيات التوحيد وآيات البعث.

ويحتمل القرآن، ولو لم يكن يأتي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بآية كانت نفسه آية عظيمة من أول نشأته إلى آخر عمره؛ لأنه عصم حتى لم يأت منه ما يستسمج ويستقبح قط؛ فدل أن ذلك إنما كان لما جعل آية في نفسه، وموضعًا لرسالته، وعلى ذلك تخرج إجابة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أول دعوة دعاه إلى ذلك لما كان رأى منه من آيات، فلما دعاه أجابه في ذلك مع ما كان منعه من آيات عظيمة، وأعلام عجيبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015