وأمسك الطيب على صاحبه.
ولو كان صيد الكلب إذا أكل منه حلالا، لكان المعلَّم وغير المعلَّم سواء، وكان ما أمسك على نفسه وعلى صاحبه سواء؛ لأن كل الكلاب تطلب الصيد إذا أرسلت عليه، وتمسكه حتى يموت، وتأكل منه إلا المعلم، فما معنى تخصيص اللَّه - تعالى - المعلم منها والممسك على صاحبه، لو كان الأمر على ما قال مخالفنا.
وقد روي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إن عُلِّمَ الكلبُ حتى صار لا يأكل من صيد، ثم أكل من صيد يصيد - لم يجز أن يؤكل من صيده الأول إذا كان باقيًا.
ومذهبه عندنا - واللَّه أعلم -: أن صيد الكلب لا يؤكل حتى يكون معلمًا، وإن أمسك في أول ما برسل فلم يأكل، فإذا أمسك مرارًا ثم أكل، دَلنا أكله على أن إمساكه عن الأكل لم يكن لأنه معلم؛ إذ قد يمسك غير المعلم للشبع، ولو كان معلمًا ما أكله؛ فاستدل بأكله في الرابعة على أن إمساكه في الثالثة كان على غير حقيقة تعليم، وهذا عندنا في صيد يقرب بعضه من بعض، فأما إذا كثر إمساكه، ثم ترك إرساله مدة، يجوز أن ينسى فيها ما علم، ثم أرسل فأكل - فليس فيها رواية عنه، ويجوز أن يقال: يؤكل ما بقي من صيده الأول، ويفرق بين المسألتين بأن الثاني قد نسى، والأول يبعد من النسيان؛ لتقارب ما بين الصيدين؛ فلا وجه إلا أن يجعل غير مستحكم التعليم في الصيد المتقدم.
وقد ذكرنا - فيما تقدم -: أن الصقر والبازي من الجوارح، واستدللنا على ذلك بما أوضحناه؛ فدل ذلك على أن صيد ما ليس بمعلم من الطير لا يؤكل إلا أن يدرك ذكاته.
ثم يكون تعليم البازي والصقر بإجابته صاحبه ورجوعه إليه، وتعليم الكلاب ترك الأكل