والخبز، وغيره. لم يحل لكم ما يكره به أنفسكم التناول منه غير مطبوخ، ولا مذبوح، ولا مشوي، ولكن أحل لكم بأسباب طابت بها أنفسكم التناول منه، واللَّه أعلم.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن أحل لكم ما يستطيب به طباعكم لا ما تنكره طباعكم وتنفر عنه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ): كأنهم سألوا رسول اللَّه، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عما يحل من الجوارح؛ فذكر ذلك لهم، مع ما ذكر في بعض القصة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما أمر بقتل الكلاب، فأتاه أناس، فقالوا: ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) الآية.
وقيل: سميت: جوارح؛ لما يكتسب بها، والجوارح: هن الكواسب؛ قال اللَّه - تعالى -: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ)، قيل: اكتسبوا، وجرح: كسب.
وقال أبو عبيد: سميت: جوارح؛ لأنها صوائد، وهو ما ذكرنا من الكسب، يقال: فلان جارحٌ أهله، أي: كاسبهم.
وقال غيره: سميت: جوارح؛ لأنها تجرح، وهو من الجراحة، فإذا لم يَجْرح، لم يحل صيده.
واحتج مُحَمَّد - رحمه اللَّه - بهذا المعنى في صيد الكلب إذا قَتَلَ، ولم يَجْرَح في مسألة من كتاب الزيادات، ومما يدل على صحة ذلك ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سألت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن المعراض؛ فقال: " مَا أَصَبتَ بَعَرْضِهِ فَلَا تَأكُلْ؛ فَهُوَ وَقِيذٌ، وَمَا أَصَبتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ ".