بسرح لأهل المدينة فساقها منهم. فلما كان من العام الثاني قدم شريح إلى مكة، ومعه تجارة عظيمة في حجاج، وكانت العرب في الجاهلية يُغِير بعضهم على بعض، فإذا كان أشهر الحرم، أمن الناس كلهم بعضهم بعضًا، فمن أراد أن يسافر قلد بعيره من الشعر أو الوبر؛ فيأمن بذلك الهدي حيثما ذهب، فلما سمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بحج شريح، وقدومه إلى مكة، أرادوا أن يغيروا على شريح؛ فيأخذوا ما معه، ويقتلوهم؛ كما أغار شريح على سرح أهل المدينة قبل ذلك؛ فاستأمروا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في ذلك؛ فنزلت الآية فيهم: (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ. . .) إلى آخره؛ فلا ندري كيف كانت القصة؟ وليس بنا إلى معرفة القصة حاجة، إلا القدر الذي ذكر اللَّه في ذلك.

وقوله: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)، وقال تعالى في موضع آخر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) الآية، وقال في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا) الآية.

ذكر في بعضها الاعتداء ونهى عنه، وهو المجاوزة عن الحد الذي حُد لهم. وذكر في بعضها العدل، وأمر به، ونهى عن الظلم والجور.

ثم الأسبابُ التي تحملهم وتبعثهم على الاعتداء والظلم، وتمنع القيام بالشهادة والعدل - ثلاثة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015