جريرة وارتكب كبيرة، ثم لجأ إلى حرم اللَّه - تعالى - لمْ يُتنَاول ولم يُطْلب، ولو لقي قاتلَ أبيه في الأشهر الحرم لم يَتَعَرَّضْ له، وكان الرجل لو لقي الهدى مقلدًا -وهو يأكل العصب من الجوع- لم يعرض له، ولم يقربه؛ فإذا أراد البيت يقلّد قلادة من شعر؛ فحرمته ومنعته من الناس حتى يأتي أهله.
ويحتمل قوله - تعالى -: (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ)، أي: لا تستحلوا ما أشعركم الله حرمته، وهو من الأعلام، ويحتمل أن يكون أراد به مشاعر الحرام الذي ذكرنا.
وقال: لا تحلُّوا الحرام ولا الشهر الحرام، ولا الهدي ولا القلائد.
وهذه أمور كانت من قبل فَنُسِخَتْ بقوله - تعالى -: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. . .) الآية. وعن الشعبي أنه قال: لم ينسخ من المائدة غير هذه الآية؛ نسخها: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)، وقوله: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. . .) الآية. وقالت عائشة - رضي اللَّه عنها -: " إنها آخر ما أنزل؛ فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ) فهو هو كقوله - تعالى -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)،
وقد ذكرنا أن اللِّه - عَزَّ وَجَلَّ - أطلق الحرم في الشهر الحرام بعد ما كان محظورًا بقوله - تعالى -: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
وأما قوله: (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ).