سيئة، وإن لم تكن الثانية -في الحقيقة- سيئة، وكذلك سمى جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء؛ فعلى ذلك سمى هذا: خداعًا؛ لأنه جزاء الخداع، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه؛ على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.

ثم اختلف في جهة الخداع؛ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: يعطى المنافقين على الصراط نورًا كما يعطى المؤمنين؛ فإذا مضوا به على الصراط طفِئ نورهم، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم؛ فينادون المؤمنين: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)، فنجوز به؛ فتناديهم الملائكة: (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا)، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع؛ فذلك قوله: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وكذلك قال الحسن، ثم قال: فتلك خديعة اللَّه إياهم.

وقال آخرون: يفتح لهم باب من أبواب الجنة؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب، فلما دنوا منه أغلق دونهم، فذلك الخداع، واللَّه أعلم.

ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها، والتمتع والتقلب فيها؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها؛ فيحرمون ذلك، فذلك الخديعة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ. . .) الآية.

جعل اللَّه - تعالى - للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق:

أما في القول: ما قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وقوله: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)، وقوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا. . .) الآية.

وأما في الفعل فهو قوله - تعالى -: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)، وقوله: (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا)، أي القتال، وقوله - تعالى -: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ. . .) الآية، ومثله كثير في القرآن، مما جعل ذلك علامة لهم، وهو كقوله - تعالى -: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ. . .) الآية، وكقوله - تعالى -: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. . .) الآية، يراءون في جميع أفعالهم - الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015