قريب من حيث كانت النساء مكانهن البيوت، وأمكن حفظهن عن الزنا، وتسليمهن إلى الأزواج مرة والمحارم ثانيًا، والرجال إذا حبسوا تحولت مؤنهم إلى غيرهم، فتكون عقوبة فعلهم تلزم غيرهم، والراحة تكون لهم، وأمَّا النساء فمؤنهن في الأصل على غيرهنَّ، فليس في حبسهن زيادة على غيرهن، فذلك عقوبة لهن مع ما كان الرجال بحيث يمكن تعييرهم، وذلك أبلغ ما يزجر العقلاء، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الرجال خاصة؛ إذ لا يذكر في عمل قوم لوط العقوبة، وقد علم اللَّه - سبحانه وتعالى - حاجة الناس إلى معرفة عقوبة ذلك؛ إذ قد جعل اللَّه - تعالى - في إتيان النساء حقوقا وحرمات وأحكامًا ليست في إتيان الذكور، عرف الخلائق تلك؛ فلم يحتمل أن يترك ذكر عقوبة للذكور في الزنا بعد أن فرق أحكام الأمرين؛ فيشبه أن تكون الآية على ذلك؛ وأيد ذلك عَزَّ وَجَلَّ أنه - سبحانه وتعالى - قال: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) ولم يذكر في ذلك جعل السبيل، وقد ذكر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذلك في كل أقسام الزنا، ثبت أن ذلك فيما ذكر، فتكون عقوبة الأولى في ذلك أخف من الحد، فكذلك عقوبة الثانية مع ما يكون فيما يؤذيان بتفريق، وهو تعزير، وذلك هو الباقي أبدًا إذا لم يظهر معنى النسخ، وأيد الذي ذكرت استواء الذكور والإناث في جميع عقوبات الزنا في قديم الدهر وحديثه من حدود المماليك والأحرار، والثيبات والأبكار، فعلى ذلك أمر تأويل الآية.
والنفي المذكور في الخبر يحتمل وجوهًا:
أحدها: ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة، وأنه النفي من البلد، لكن الحدود إذا جعلت كفارات قد جعلن زواجر، وفي الزنا بخاصة إذا أمر فيه بالحبس أريد قطع السبيل إليه، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين، وذلك بعيد، واللَّه أعلم.
فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس، فينتفي عن وجوه الاجتماع على ما كان من قبل، فينتفي ذلك العذر منه؛ لظهور خشوع التوبة.
وقد يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبَّة، فينفى؛ لينسى ذلك؛ فلا يعير بذلك، وكذلك في الإماء ولا في الكفر؛ إذ ما فيهم من الذل أعظم مع ما لا يجب بسبِّ من ذكرت حد؛ ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما