مقصود، وفي هذا مفضول، فيمكن التفريق بين الأمرين، فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. . .) الآيتين، وأوعد جهنم على تعدي هذه الحدود، وفي ذلك لا يحتمل مع جواز الفضل، وأيد ذلك قوله: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ. . .) الآية، ولو كان يجوز لكان لا يملك معه الإصلاح؛ فثبت أن من الوصايا ما يبطل مع ما كان اللَّه ذكر في المواريث: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ فلا يُملك إبطال فريضة اللَّه، وبالإذن منه يجوز فعله؛ لذلك يبطل بعض وصاياه.

والأصل في ذلك أن الأموال أنشئت للأحياء؛ وخُلقت لمنافع الأحياء، فكأنهم ملكوا منافعها إلى انقضاء آجالهم، ثم صارت إلى مَن به ملكوها، يجعلها لمن يشاء، ويضعها عند من يشاء.

وقد بين - عَزَّ وَجَلَّ - أنها: لمن، ومن أحق بها؛ فصار الموصي كأنه أوصى بحق مَنْ بَيّن أن مُحِقَّه فيه غيرُهُ، فإن تفضل اللَّه عليه في ذلك من شيء، وإلا فذلك كسائر الأملاك التي بينت أربابها، لم يكن لغيرهم فيها حق إلا بجعل اللَّه أو جعل من له؛ فعلى ذلك هذا قد جاء عن اللَّه بيان هذه بعد أن بينت هذه الآيات جعل الحق له إلى الثلث، فذلك له صدقة من اللَّه - تعالى - وفي الفضل إن أجاز المجعول له جاز، وإلا لا، واللَّه أعلم.

فجعلت للوصية حدًّا، ولم تجعل للدِّين؛ لأن الدِّين مما يتصل بحوائجه في حال حياته؛ إذ هو يلزم بالأسباب التي بها معاشه وغذاؤه؛ فصار مقدمًا على المتروك في الحكم، وإنما جُعلت المواريث في المتروك مع ما كان الغرماء أحق بملكه في حياته بعجزه عن كثير من المعروف في مرضه بهم، فلو لم يكن لهم الحق لامتنعوا من المداينات إلا بوثائق يكونون هم أحق بها بعد الوفاة من الورثة، أو يمتنعون من المداينات، وفي ذلك تقصير القوت والأغذية عن مضي الأجل، وهو به مأمور؛ فجعلت الديون كأنها استحقت الإملاك في حال الحياة؛ فلم تجئ منهم التركة، وليس كالعبادات؛ لأنها تجب في الفضول عن الحاجات، والديون في الأصول، فليست العبادات بالتي تمنع الوفاء بالآجال ولا كان بأربابها إليها تلك الضرورات؛ فإنما هي بحق القرب، وهي عمل الأحياء، فإذا ماتوا زال الإمكان، وجرت في الأموال المواريث، وكذا المعروف من الدِّين المذكور في القرآن من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015