واللَّه أعلم.
وفي ذلك دليل لزوم التوحيد باللبِّ؛ إذ صيرها آيات لمن له ذلك، وأوَّل درجات الآيات أن يُعَرف منشئها وجاعلها آيات، واللَّه أعلم.
ثم دلَّ اتصال منافع السماء والأرض على تباعد ما بينهما، حتى قام بها وحي جميع من دب على وجه الأرض وانتفع بشيء، ثم في إيصال الليل بالنهار في منافع كل حي على تضاد ما بينهما؛ حتى صارا كالشكيلين، والسماء والأرض كالقرينين - على أن منشئ ذلك كله واحد، وأنه لو اختلف الإنشاء لتناقض التدبير، وبَطَلَ وجوه النفع، وأن الذي أنشأ ذلك علم كيف يدبر لاتصال المنافع واجتماعها بغيرها، على اختلافِ ما بينها، وأنه حكيم وضع كل شيء على ما لو تدبر الحكماء فيه -لم يكن يُعْرَفُ اتصال أقرب في المنافع، على اختلاف في الجواهر، وتضاد في الأحوال- أبلغَ من ذلك؛ بل تقصر حكمتهم عن الإحاطة بوجه الحكمة، أو الظفر بطرف منها، إلا بمعونة مَنْ دَبَّرَ ذلك سبحانه، - وذلك هو الدليل على قدرته وعلو سلطانه؛ إذ سخر ذلك كلها لبذل ما فيها من المنافع لمن جعلها له، وجعل لبعض على بعض سلطانًا وقهرا؛ ليُعْلَمَ أن التدبير يرجع إلى غير ذلك، ويُعْلَمَ أن من قَدَرَ على ذلك، وعلم قبل خلق المنتفعين بما خلق على أي تدبير يخلق ذلك، وبأي وجه يصل كل خلق في ذلك إلى منافعه بها، وما الذي سوى معاشهم، وعلى أي تدبير، دلهم عليه - لقادر على إعادة مثله، والزيادة منه على أنواع ذلك؛ إذ كل أمر له حق الابتداء - كان ذلك أبعد عن التدبير مما له حق الاحتذاء بغيره أو الإعادة، مع ما كان في إعادة الليل والنهار، وجعل كُل من ذلك كالذي، مضى، وإن كان الذي مضى -مرة- دلالة كافية للبعث والقدرة عليه، واللَّه الموفق.
ومنها: أنها جعلت على تدبير يُعَرِّفُ صَاحِبَهَا ومُنْشِئَهَا، وأنه دبرها على ما فيها من وجوه الحكمة التي صارت الحكمة جزءًا منها، وفنون العلم التي تنال بالتأمل فيها، مما يوضح أن الذي أبرمها حكيم عليم، مع ما فيها من آثار الإحكام والإتقان الكافية في الإنباء عن الإنشاء للحكمة، وأن الذي أبدع ذلك ليس بعابث ولا سفيه.