وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
أي: لا تخافوه لمخالفتكم إياه، (وَخَافُونِ)، أي: خافوا مخالفتكم أمري؛ كقوله: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ). أخبر أنْ ليس له سلطان على الذين آمنوا؛ إنما سلطانه على الذين يتولونه؛ لذلك قال: لا تخافوه؛ لما ليس له عليكم سلطان، وخافون؛ لما لي عليكم سلطان، وباللَّه العصمة.
* * *
قوله تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)
يحتمل الآية وجهين:
يحتمل: ولا يحزنك الذين ظاهروا غيرهم من المشركين عليكم، وقد ظاهر أهل مكة غيرهم من المشركين على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيقول اللَّه لرسوله: (وَلَا يَحْزُنْكَ) مظاهرتهم عليك؛ فإن اللَّه ينصرك؛ فيخرج هذا مخرج البشارة له بالنصر على أعدائه والغلبة عليهم.
ويحتمل -أيضًا- وجهًا آخر: وهو أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يشتد عليه كفرهم باللَّه، ويحزن لذلك، كقوله - تعالى -: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)؛ فيخرج قوله: (وَلَا يَحْزُنْكَ) مخرجَ تَسْكينِ الحزن، ودفْعِهِ عنه، والتسلي عن ذلك، لا مخرج النهي؛ إذ الحزن يأخذ الإنسان، ويأتيه من غير تكلف ولا صنع، وكقوله - تعالى -: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا): هو على مخرج التسكين والدفع عنه، لا على النهي؛ فكذلك الأول - واللَّه أعلم - وكقوله - تعالى - لأم موسى - عليه السلام -: (وَلَا تَحْزَنِي).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا):