ذلك في لحن القول، ثم في أفعال الخير، ثمّ في أحوال الجهاد، ومما يظهر منهم من آثار الكفر في الأقوال والأفعال مما جاء به القرآن، واللَّه أعلم.
فإدن قيل في قوله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) -: كيف عم هَؤُلَاءِ بالعقوبة، وإنما كان العصيان والخلاف في الأمر من بعضهم لا من الكل، قيل: لما خرج لهم ذلك مخرج الامتحان والابتلاء، لا مخرج الجزاء لفعلهم، ولله أن يمتحن عباده ابتداء بأنواع المحن من غير أن يسبق منهم خلاف في الأمر أو عصيان، وكل عقوبة خرجت مخرج جزاء عصيان أو خلاف في أمر - لم يؤاخذ غيرُ مرتكبها؛ لقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وما خرج مخرج الامتحان جاز أن يعمهم؛ لما ذكرنا أن له ابتداء امتحان، أو إن كان ما كان منهم بمعونة غيرهم؛ فعمهم لذلك بذلك، كقُطاع الطريق وكسُراق أن تعمهم العقوبة جميعًا: مَنْ أخذ ومن لم يأخذ، ومن تولى ومن لم يتولَّ؛ فكذلك هذا، أو كانوا جميعًا كنفس واحدة؛ فعمهم بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ... (168)
وقيل: لإخوانهم في الدِّين، ومعارفهم من المنافقين:
(لَو أَطَاعُونَا)
ولم يخرجوا إلى الجهاد
(مَا قتُلُوا).
وقيل: لإخوانهم في النسب والقرابة، وليسوا بإخوانهم في الدِّين والولاية؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) ليس بأخيهم في الدِّين ولا في الولاية؛ ولكن كان أخاهم في النسب والقرابة.
قوله تعالى: (لَو أَطَاعُونَا)
وقعدوا عن الخروج في الجهاد (مَا قتُِلُوا) في الغزو.
ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ - لنبيّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن قل لهم: (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ)
أي: ادفعوا عن أنفسكم الموت
(إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
بأنهم لو قعدوا في بيوتهم ما قتلوا؛ فمعناه - واللَّه أعلم -: أن من قتل في سبيل الله