أي: الرسول يدعوكم وينادي وراءكم: إلَيَّ أنا الرسول.
وقيل: يناديكم من بعدكم: إِلَيَّ أنا رسول اللَّه يا معشر المؤمنين، وكان يصل نداؤه في أخراهم بأولهم بعضهم ببعض، فلم يرجعوا إليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ):
اختلف فيه، قيل: غمّ الأول: الهزيمة والنكبة التي أصابتهم، والغم الآخر: الصوت الذي سمعوا: قُتِل مُحَمَّد - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - فذلك غم على غم.
ويحتمل: (غَمًّا): بعصيانهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - اغتموا، والغم الآخر: أن كيف يعتذرون إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بتركهم المركز، وعصيانهم إياه والخلاف له.
وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ): أي: مرة بعد المرة الأولى.
وقيل: (غَمًّا بِغَمٍّ)، أي: هزيمة بعد هزيمة: أصابتهم هزيمة بعد هزيمة من قتل إخوانهم، وإصابتهم الجراحات.
وقيل: (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا): بعصيانكم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، (بِغَمٍّ): الذي أدخلوا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بترككم المركزَ والطاعةَ له، وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ) وهو غم الهزيمة والنكبة، بالغم الذي أدخلوا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في عصيانهم إياه، وإهمالهم المَقْعَد الذي أمرهم بالمقام فيه.
وقيل: غمًا بالغم الذي له تركوا المركز، وهو أن غمهم اغتنام أصحابهم.
وقيل: غم الاعتذار إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالغم الذي جنوه به؛ حيث مالوا إلى الدنيا، وعصوه فيما أمرهم.
وقيل: غمًا على أثر غم، نحو: القتل، والهزيمة، والإرجاف بقتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وحقيقته: أن يكون أحد الغمين جزاء، والآخر ابتداء، وفي ذلك تحقيق الزلة والجزاء؛ وذلك كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).