لفعلهم - على ما عليه فعلهم - خالقٌ، وأن خلق الشيء ليس هو ذلك الشيء؛ إذ ذلك الشيء إذا كان انصرافًا عن العدو معصيّة، وقد تبرأ اللَّه - تعالى - عن أن تضاف إليه المعاصي، وقد أضاف انصرافهم إلى فعله وهو الصرف - ثبت أنه غير فعلهم، واللَّه أعلم.
(وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ):
يحتمل وجهين:
يحتمل: (عَفَا عَنْكُمْ)؛ حيث لم يستأصلكم بالقتل.
ويحتمل: (عَفَا عَنْكُمْ)؛ حيث قبل رجوعكم وتوبتكم عن العصيان.
وهذه الآية قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ صَرَفَكُمْ)، وقوله: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) - ترد على المعتزلة؛ وكذلك قوله - تعالى -: (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَليهِمُ القَتلُ)، إلى آخر الآية؛ لأنهم يقولون: هم الذين صرفوا أنفسهم لا اللَّه، وهم الذين كتبوا عليهم القتل لا اللَّه، وهم الذين يداولون لا اللَّه، وقد أضاف - عَزَّ وَجَلَّ - ذلك إلى نفسه؛ فعلى ذلك لا يضيف إليه إلا عن فعل وصنع له فيه؛ ولأنهم يقولون: لا يفعل إلا الأصلح لهم في الدِّين، فأي صلاح كان لهم في صرفه إياهم عن عدوهم؟! وأي صلاح لهم فيما كتب عليهم القتل؟! فدل أن اللَّه قد يفعل بعباده ما ليس ذلك بأصلح لهم في الدِّين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ):
بالعفو عنهم، وقبول التوبة؛ حيث عصوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وتركوا أمره، وعلى قول المعتزلة عليه أن يفعل ذلك؛ فعلى قولهم ليس هو بذي فضل على أحد، نعوذ باللَّه من السرف في القول.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: الفائدة في تخصيص المؤمنين بالامتنان عليهم دون جملة من بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيهم ومنهم، مع ما ذكر منته بالبعث من أنفسهم، وقد بيّنا وجه المنة في البعث من جوهر البشر - وجهان:
أحدهما: أن من لم يؤمن به لم يكن عرف نعمة من اللَّه - تعالى - وإن كان - في الحقيقة - نعمة منه لهم، ورحمة لهم وللعالمين، فخص من عرفه ليشكروا له بما ذكرهم؛ وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) أي: هم يقبلون ويعرفون حق الإنذار.